top of page
  • Writer's pictureKhulood Odeh

التدريب على النوم: بين التسويق في صناعة نوم الاطفال وما نجده في الابحاث عن نجاعة هذه الاستراتيجيات



في السنوات الاخيرة بدأنا نسمع اكثر خصوصا في العالم العربي عن فكرة التدريب على النوم. هذه الفكرة ليست جديدة ابدا في دول الغرب وخصوصا في شمال امريكا، واستراليا، حيث انها امر منتشر جدا، وينصح به العديد من اطباء الأطفال. والاستراتيجيات الاكثر انتشار هي extinction/controlled crying اي ترك الطفل لوحده، اما ليلة كاملة، او لاوقات متزايدة.

وفي حين اشاهد كيف تبدأ هذه الظاهرة بالإنتشار في العالم العربي، خصوصا عبر منصات التواصل الاجتماعي، ارى من المهم ان يكون هنالك حوار واعي وشمولي حول نوم الأطفال، وحديث علمي عن التدريب على النوم بشكل خاص.


بداية، ما هو تعريف التدريب على النوم؟

  • التدريب على النوم هو أي إستراتيجية مصدرها المدرسة السلوكية في التربية تساهم في جعل الطفل ينام لوقت متواصل أكثر (او يتوقف عن النداء عند إستيقاظه من النوم) من خلال إستراتيجيات فصل او تحديد مدى وكيفية تجاوب الأهل مع بكاء الطفل.

  • عدم تفهم السلوك الطبيعي والمناسب لعمر الطفل حول النوم، وإتباع دراسات حول نوم الأطفال بوضعيات نوم مُنفصل ورضاعة صناعية ومحاولة تطبيقها على جميع الأطفال بصرف النظر عن مكان نومهم وما إن كانوا يرضعون رضاعة طبيعية ام صناعية.


في الغرب كما ذكرت انتشرت ظاهرة التدريب على النوم بشكل كبير منذ سنوات الستينات-السبعينات من القرن الماضي، لدرجة اصبح يُروج لها كالخيار الأفضل للتعامل مع "مشاكل" نوم الاطفال.


نقطة إنطلاق هذه الاستراتيجيات هي ان هنالك مشكلة في سلوك الطفل، اي ان الاستيقاظ، الحاجة الى القرب، الحركة، التلامس بين الطفل ومقدم الرعاية هي سلوك اشبه بالاضطراب.

ولكن، هنالك مشكلة كبيرة في هذا التوجه، فإنه لا يفهم ان اغلب الاطفال عندهم هذه الحاجات. اذا احتاج اغلب الاطفال مساعدة للدخول في النوم، فاي مقولة اقرب الى الواقع، ان سلوك جميع هؤلك الاطفال هو اضطراب؟ ام انه سلوك طبيعي ويعبر عن حاجات عند اغلبهم، والمشكلة هي بالتوقعات الموجودة حول نوم الاطفال؟


ظهرت هنالك ابحاث تفحص مدى نجاعة التدريب على النوم ومدى تأثيره على الترابط بين الطفل والام (او مقدم الرعاية الأساسي). ومهم ان نذكر ان هذه الابحاث فحصت استراتيجيات تدريب تشمل ترك الطفل لوقت متزايد (بالرغم من بكاءه) كي "يتعلم" النوم المستقل. هذه الأبحاث تجزم ان التدريب على النوم آمن، ومفيد ويحسن نوم الطفل والصحة النفسية للأم. ولكن هذه الأبحاث ليست خالية من العيوب، وهنالك الكثير من الإعتراضات على الاسلوب المُتّبع لجمع المعلومات، وتحليلها.


  1. اغلب الأبحاث شملت عينة صغيرة جدا من الاطفال والأمهات.

  2. لا يوجد دليل ان الاهل قاموا بالإلتزام بالاسلوب الذي كان من المُفروض اتباعه، حيث ان العينة تقسم الى ٢-٣ مجموعات، احداها تتلقى معلومات اساسية حول نوم الطفل، والاخرى تتلقى ارشادات معينة وتعليمات لكيفية التعامل مع نوم الطفل، ولكن لا يوجد ضمان ان المجموعات التزمت بالتعليمات الخاصة بها. ونظرا ان المعطيات تشهد تحسن للنوم في جميع المجموعات، لا يمكن ان نستنتج ان هذا التحسن هو نتيجة التدخلات والاستراتيجيات السلوكية التي يُروج لها، ان نتيجة التطور الطبيعي للنوم عند الاطفال.

  3. تعتمد النتائج على تقرير الأهل حول نوم الطفل، ولكن الابحاث التي شملت فحص حركة الطفل من خلال جهاز مونيتور وجدت ان الأطفال يستمروا بالإستيقاظ، ولكن بكاءهم يتوقف ولا يؤشروا لأهلهم عند استيقاظهم.


تعتمد صناعة التدريب على النوم على بعض الأفكار التسويقية، التي تستهدف بها الأهالي. فلننظر الى بعضها:


الإدعاء الاول: ان التدريب على النوم هو امر نقوم به لمصلحة الطفل:

من اكثر الاسباب اللي يُروج للتدريب على النوم، هي فكرة ان التدريب على النوم ضروري كي يحصل الطفل على نوم "صحي"، اي انه اذا لم نُدرب طفلنا، سيكون نومه غير صحي حتما. والحقيقة ان هذا ليس الا استراتيجية تسويقية يتبعها خبراء نوم الاطفال.

لو كان هذا صحيحا لوجدنا ان نوم الطفل يتغيير بعد التدريب على النوم، وهذا ايضا غير صحيح بناءا على الابحاث التي اتبعترفحص حركة الطفل اثناء النوم (actigraphy) وليس فقط تقرير الاهل. فنجد ان الاطفال استمروا بالاستيقاظ بنفس الكمية حتى بعد سيرورة التدريب السلوكي على النوم.



"لم تُسجل تغييرات ملحوظة على نوم الطفل من خلال جهاز مراقبة حركة الطفل

اثناء النوم، الأمر الذي يدعم فكرة ان تقرير الأهل وجهاز المراقبة يسجلوا ظاهرتين مختلفتين: إنعدام بكاء الطفل حسب تقرير الأهل، مقارنة مع حركة الطفل وإستيقاظه، مما يشير الى ان الأطفال يستمروا في الإستيقاظ ولكن لا يؤشروا الى اهلهم." (جراديسار وزملاءه، 2016)

في نفس البحث تم النظر الى مدى توتر الطفل نتيجة التدريب على النوم حيث فحصوا مستوى هورمون التوتر (الكورتيزول) عند الاطفال في الصباح، وبعد الظهر. ويستدل الكثير بهذا البحث على ان التدريب على النوم لا يؤدي الى زيادة التوتر عند الاطفال. ولكن لا توجد معطيات في البحث تُصرّح بهذا. لم يتم فحص مستوى توتر الطفل اثناء التدريب على النوم، اذا، البحث يظهر ان التدريب على النوم باستخدام اساليب ترك الطفل لا يؤثر على مستوى هورمون التوتر عند الاطفال خلال النهار اي ان التوتر لا يستمر لوقت طويل، ولكن لا توجد معطيات عن مدى تأثير التوتر اللحظي الشديد اثناء ترك الطفل لوحده. اذا لا يمكن ان نستند على هذه المعطيات لقول ان الطفل لا يشعر بتوتر اثناء السيرورة نفسها.


الادعاء الثاني: التدريب على النوم مهم كي يتحسن طبع الطفل وسلوكه:

هذا الإدعاء يعتمد بالأساس على بحثين، الأول نظر الى نوم الطفل بشكل عام، وسلوكه وطبعه. يجب التنويه ان البحث لم يذكر إنّ مر الأطفال بأي نوع من انواع التدريب على النوم. اذا لا يمكننا نسب النوم "الجيد" لاي سيرورة من التدريب على النوم. ظهر هنالك رابط بين نوم "أفضل" او "اسهل" للطفل، مع سلوك هادئ وطبع سهل، بينما الأطفال الذين اعتُبِر نومهم "اصعب" او فيه تحدي اكبر، كانوا ذوي مزاج وطبع أصعب، كانوا مُفعمين بالطاقة والحركة. الحقيقة ان هنالك علاقة بين نوم الطفل وسلوكه (او طبعه)، ولكن ليس النوم المُسبب للسلوك، بل العكس! الطبع والسلوك هو المُسبب ل"مشاكل" النوم، اذ ان الأطفال ذوي الطبع المُفعم بالطاقة والحياة يحتاجون مساعدة أكثر للدخول في النوم، والعودة للنوم، يحتاجون وقت اكثر للإسترخاء وتنظيم المشاعر المُشترك مع الأهل.


أما البحث الثاني، فقد كان مراجعة لابحاث نظرت الى العلاقة بين النوم في الطفولة، وتطور قدرات ذهنية وادراكية عند الطفل. ايضا لم يشمل البحث استراتيجيات تدريب على النوم، فقط نظر الى النوم بشكل عام، وفحص اهميته. لا يمكننا الادعاء ان الاطفال الذي لم يتم تدريبهم على النوم حتما سوف يعانوا من فقر نوم، وبالتالي سوف تتأثر قدراتهم بشكل سلبي (خصوصا بعد ان فهمنا ان التدريب على النوم لا يوقف الاستيقاظ الليلي).


الادعاء الثالث: التدريب على النوم مهم لصحة الام النفسية:

لا شك ان ظاهرة التدريب على النوم تتولد في مجتمعات لا تحصل الام فيها على دعم ومساعدة بشكل كافي، نحن نعرف وندرك ان الام بحاجة الى مساعدة، وعندما لا تحصل على الدعم الكافي، قد يولد عندها مشاكل نفسية من ضمنها القلق او اكتئاب ما بعد الولادة.

حصر جميع هذه التحديات في "مشاكل" نوم الطفل، لا ينظر الى الصورة الكاملة. بينما شهد البحث الذي اُجري في ٢٠١٦ تحسن في مزاج الام، علينا اولا ان ننظر بعمق اكبر، اولا، الامهات في مجموعة التدريب على النوم بدأت السيرورة بنسبة توتر اقل ومزاج افضل نوعا ما (لا نعرف السبب، ممكن ان يكون بسبب مستوى المعيشة، حصول الام على مساعدة وغيره)، والتحسن الذي طرأ على مزاجهم كان اقل نسبة مع التحسن الذي طرأ على الامهات في المجموعات الاخرى.

في بحث الذي اجري في كندا عام ٢٠١٨ وجد ان الاستراتيجيات التقليدية والنصائح المتداولة حول نوم الاطفال تعمل تأثير عكسي على مزاج الام، نسية كبيرة من الامهات صرّحن ان هذه النصائح زادت من توترهن. كل هذا يؤكد ان هنالك حاجة لدعم اكثر شمولي للأم. لا يمكن ان نضع صحة الام النفسية على كتفي طفل صغير، خصوصا بعد ما اصبحت الصورة اكثر واضحة عن مدى تأثير هذه الاستراتيجيات على نوم الاطفال (او بالاحرى، عدم تأثيرها). لا يُمكن من خلال الابحاث الموجودة حتى الآن، ان نجزم ان هذه الاستراتيجيات التي تنادي بترك الطفل، لا تسبب صدمة او توتر شديد في فترة التدريب على النوم. و


في النهاية، فلنتذكر: مشاكل النوم الحقيقية ليست مشاكل سلوكية، انما مشاكل فيزيولوجية:


عندما تواجه عائلة مشاكل نوم حقيقية، كإستيقاظ كل ساعة او اقل، مقاومة شديدة للنوم، عدم القدرة على النوم في وضعيات معينة، قلق وارق، قد تكون في اغلب الاحيان بسبب مشاكل فيزيولوجية تعبر عن حاجة/انزعاج عند الطفل، النهج السلوكي في التدريب على النوم لن يحل: مشاكل التنفس التي تُؤثر على النوم، فقر في معادن/فيتامينات، حاجات حسية خاصة عند الطفل، ارتجاع مريئي غير مُشخّص، مشاكل في الرضاعة، وغيرها.


هنالك حاجة لنظرة شمولية اكثر في نوم الاطفال، نظرة تعترف بحاجة الاهل للحصول على نوم، وايضا لا تُعرض الطفل للتوتر الشديد (حتى وان كان لحظي)، تتفهم السلوك الطبيعي للطفل، وتدرك ان النوم يتأثر بعوامل كثيرة من بينها التغذية، الشاشات، توتر الاهل، اسلوب الحياة، طبع الطفل، المشاعر. وهنالك بعض الحالات التي تحوِج تدخل من مقدمي خدمات صحية. هذا ما دفعني لدراسة هذا الموضوع.



المصادر:

Behavioral Interventions for Infant Sleep Problems: A Randomized Controlled Trial

Michael Gradisar, Kate Jackson, Nicola J. Spurrier, Joyce Gibson, Justine Whitham, Anne Sved Williams, Robyn Dolby and David J. Kennaway

Pediatrics; originally published online May 24, 2016;


Tham EK, Schneider N, Broekman BF. Infant sleep and its relation with cognition and growth: a narrative review. Nat Sci Sleep. 2017 May


Spruyt K, Aitken RJ, So K, Charlton M, Adamson TM, Horne RS. Relationship between sleep/wake patterns, temperament and overall development in term infants over the first year of life. Early Hum Dev. 2008 May V. Harries & A. Brown(2019)The association between use of infant parenting books that promote strict routines, and maternal depression, self-efficacy, and parenting confidence,Early Child Development and Care,189:8,1339-1350


Sweet sleep, Le lèche league

Holistic Sleep Coaching, Lyndsay Hookway

Evolutionary parenting, Tracy Cassels, PhD

138 views0 comments
bottom of page